الثلاثاء، 6 فبراير 2018

لهب ... قصة قصيرة جداً



تكاد الحيرة تمنع الجد من النوم، وهو يحاول تفسير سلوك حفيدته ذات العام والنصف، فهي تجلس في حضنه أحياناً، وترفضه وتهرب مبتعدة في معظم الأحيان. يغلب عليها الحذر والترقب، ونظرة خوف لم تخطئها عيناه.
راجع تصرفاته معها ومع غيرها، فلم يجد فيها ما يبرر سلوكها، فهو لا يضرب، أو يرفع صوته، أو ينهر ، ولم يسيء إلى أحد. وهي بالذات يحبها كثيراً ويدللها، ويحرص أن يشتري لها اللعب، ويركبها على ظهره، ويغني لها أيضاً.
ذات مساء وهو جالس في صالون البيت، يتابع الأخبار على شاشة التفلزيون، لاحظ أن حفيدته نظرت من الباب وابتعدت بسرعة. أسرع إليها وحملها إلى الصالون، ولكنها حاولت أن تتملص منه، ثم بكت وانهمرت دموعها اللؤلؤية، ثم أشارت إلى التلفزيون قائلة: دم. دم. أخاف. أخاف.
ضرب الجد جبهته بيده، فقد أدرك أن الحروب وأحداث القتل والدمار التي أدمن على متابعتها متنقلاً من فضائية إلى أخرى، يوشك أن يمتد لهبها إلى بيته، وتخطف حفيدته منه، فصرخ لأول مرة منذ أمد بعيد، وبغضب شديد، وهو يشير إلى التلفزيون: اغلقوا هذا الزفت، أخرسوه إلى الأبد. ثم ضمَّ حفيدته بقوة ولهفة، يمطرها بقبلاته، ودموعه تغسل خديها.


نشرت في الرأي الأردنية – السبت 9-9-2017
https://goo.gl/wYurx4

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق