في حواري مع .... الكاتب المصري أحمد سراج
«الشهادة الإبداعية» تكشف العالم الخفي للأدباء
القدس العربي - السبت 3-2-2018
«الشهادة الإبداعية» تكشف العالم الخفي للأدباء
القدس العربي - السبت 3-2-2018
أحمد
سراج كاتب مصري ومحرر أدبي عام، مهتم بالصناعات الثقافية وتطوير المحتوى
الإلكتروني، وهو عضو فريق الشروق لتأليف المناهج التعليمية. صدر له ديوان:
"الحكم للميدان"، ورواية "تلك القرى"، ومسرحيات: زمن الحصار،
القرار، فصول السنة المصرية، القلعة والعصفور (ترجمت وعرضت في أمريكا) ونصوص الأرض،
زاد، وغيرها.
صدر له مؤخرًا كتاب "أدب المصريين|
شهادت ورؤى" (المكتب المصري للمطبوعات، 2017، 432 صفحة). وقد اعتمد الكتاب على الشهادة
الإبداعية كمحور أساسي من محاور الكتاب، للإجابة عن أسئلة عديدة طرحها أحمد سراج
على ستة وستين كاتبًا، وهذا المحور -الشهادة الإبداعية- الذي تضمنه الكتاب، يعتبر
مرجعاً مهماً للقارئ والكاتب والناقد والباحث على حد سواء، لما تضمنه من مادة ثرية،
تستنطق أعماق الكاتب، وتطل من نافذة صغيرة على سر صنعته، وتضع القارئ أمام تجربة
إنسانية إبداعية، لها تأثيرها كعامل تعزيز وتحفيز، ولا تخلو من طرافة أو غرابة أو إثارة
وتشويق.
ومن الأسئلة التي يحاول كتاب "أدب
المصريين| شهادت ورؤى" أن يجيب عنها سؤال: هل يمكن أن تصبح
"الشهادة الإبداعية" جنسًا أدبيًا؟
وحول "الشهادة الإبداعية"، كان للقدس العربي هذا الحوار مع
الكاتب أحمد سراج:
أستاذ أحمد، هل يمكن حقاً أن
تصبح "الشهادة الإبداعية" جنسًا أدبيًا مستقلًا بذاته؟
ظل
الناس فترة كبيرة لا يعرفون بأن هناك بجعة سوداء، فهل منع هذا وجودها؟ الشهادة
الإبداعية هي فن نثري قصير يعبر فيه الكاتب عن شيء يتعلق بكتابته، وهي بذلك تشبه
القصة القصيرة، والمقال من ناحية الشكل، وتشبه السيرة الذاتية من حيث الموضوع.
ما أهمية الشهادة الإبداعية؟
ككل
الفنون؛ الإمتاع والإقناع؛ فمن الممتع أن تشاهد الساحر وهو يؤدي لعبته، ومن الممتع
أيضًا أن يكشف لك أسرار لعبته، دوافعها، كيفياتها، أسباب اختياره لها.
وأظن
أن فائدتها تشمل الجميع؛إنها أشبه بالمنصات مفتوحة المصدر "open source" فأنا وأنت نستطيع معرفة آلاف الأجوبة عن كيفية التعبير عن
قضية ما، ويستطيع الكاتب نفسه أن يحدد مدى تطوره بإعادة قراءة ما كتب، وقراءة ما كتب الآخرون، هي للكاتب أشبه بإظهار الدرَج غير
المرئي، وتعبيد درج إضافي.
الموضوع ليس نوعيًّا، وانظر لقائمة الكتب الأكثر مبيعًا؛
فستجد فيها ما له علاقة بالسير الذاتية، وتخيل مثلًا أن نجيب محفوظ وسعد الله ونوس
ويوسف إدريس كتبوا بشكل مواز عن علاقتهم بالكتابة وبموضوعاتها.
الكتابة مشهد في فيلم طويل يعبر بدقة عن الكاتب، وهي
قادرة على علاج عيب السيرة الذاتية الرئيسي؛ إذ تتأثر السيرة بلحظة كتابتها ولأنها
تكتب مرة واحدة فهي تكاد تتأثر بلحظة واحدة، أما الشهادة الإبداعية فكونها قصيرة
ومرتبطة بمحكات تدفعها إلى ما يشبه الموضوعية، ولأنه يمكن كتابة أكثر من شهادة؛
فالأمر مختلف.
مَنْ الكاتب المؤهل لكتابة الشهادة الإبداعية ذات القيمة الأدبية؟
ذات
مرة أقيمت ندوة لطه حسين، وكاتب آخر عن سؤال واحد: لماذا نكتب؟ وظل الكاتب الآخر
يتحدث زهاء ثلاث ساعات عن الكتابة، وحين جاء دور طه حسين، قال: نكتب لمن يقرأ.
والحق أن هذه إجابتي: كل كاتب مؤهل لكتابة شهادته؛ لأنها أولًا وأخيرًا استبطان
لنفسه، تقويم، كشف حساب، فرش متاع.
الشهادة
الأدبية مرآة ونافذة، مرآة الكاتب لنفسه، ونافذة القارئ على عالم الكاتب، شخوصه،
مضامينه، منطلقاته وآلياته.
ما الشروط التي ترى أنها ضرورية لتجنيس الشهادة الإبداعية، وإعطائها
هوية مستقلة؟
لا
نصيحة في الحب، لكنها التجربة.. لكن لو سمح لي، فإن مكونات الهوية هي: النثرية
والقصر، وأن يكون المحتوى منصبًا على أمر متعلق بالكتابة منتجًا لها أو ناتجًا
عنها أو مؤثرًا فيها.
ثمة
محفزات لاعتبار الشهادة جنسًا، أهمها وجود أماكن لنشرها بانتظام، وإقبالًا من
الكتاب عليها، ومن النقاد على التعامل معها.
الانتقائية والتكلف والمبالغة والتفاخر وغيرها مطبات قد تقع فيها
الشهادة الإبداعية. كيف يمكن تجنب هذه المطبات أو اكتشافها من قبل القارئ والباحث
والناقد؟
"ليس
التكحل في العينين كالكحل"، والقارئ لن يكون مهمومًا بقراءة كتابة تحفل
بالأكاذيب، لن نوقف الناس عن الكذب صحيح لكننا أيضًا نستطيع كشف هذا، فكاتب
الشهادة يعيش في محيط من الكُتَّاب، وهؤلاء سيسارعون بالرد عليه، وهو ذاته سيكتب
شهادة ثانية وثالثة، وسيسقط مع الزمن كذبه، ويبقى ما له علاقة بما جرى فعلاً.
هل الكاتب بحاجة إلى تجديد شهادته الإبداعية؟ أم أن شهادة واحدة تكفي؟
ليس
تجديدًا ولا تعديلًا، بل خلقًا آخر، فالإنسان لا ينزل النهر مرتين، والكاتب بعد
كتابة شهادته سيكتشف أثناءها أمورًا لم يكن منتبهًا لها، فما بالك بعد قراءات
مختلفة، وكتابات جديدة.
هل يمكن أن يكتب الشهادة الإبداعية عن الكاتب كاتب آخر؟
النائحة
المستأجرة لا تصلح هنا، فقط يمكن أن يكتب كاتب عن تأثير كاتب فيه، وهي شهادة
إبداعية بامتياز هنا، نبهني سؤالك هذا إلى الشهادات التي نكتبها عن الآخرين،
وأظنها شديدة الأهمية ما تعلقت بتأثير هؤلاء
علينا.
هل ثمة نسق واحد للشهادة الإبداعية أم أنها مختلفة من كاتب إلى آخر،
وما أسباب الاختلاف إن وجدت؟
لو
أننا مررنا جميعًا بالظرف نفسه لاختلفت كتابتنا عنه، ستتأثر الشهادة بسمات الكاتب؛
ميله إلى المصطلحات، حبه للسخرية، تنوع أدائه اللغوي من عدمه، نظرته للحياة، دوافع
كتابته، الهدف من كتابته للشهادة، حدود المساحة المطلوبة منه، سبب كتابته للشهادة.
هل هناك علاقة بين الشهادة الإبداعية والسيرة الذاتية للمبدع؟
كالعلاقة
بين الرواية والقصة القصيرة، تشابه كبير واختلاف كبير؛ يحاول الكاتب في سيرته
الذاتية أن يعرض ما جرى له حتى وصل إلى هنا، يذكر علاقات ممتدة بشخصيات وأماكن،
يسهب ويربط هذا بذاك بتلك، أما الشهادة فتحاول الاختصار، إنه الفرق بين عودة عجوز
من البحر بعد رحلة صيد طويلة، وما يأخذه عصفور، الفرق بين شخص مكتمل أمامك، وبين
نقطة دم تأخذها منه.
يعتبر البعض أن الشهادة الإبداعية كشف لأسرار الكتابة الخاصة بالكاتب،
ولذا يُحجم عن كتابتها. برأيك، هل من حق الكاتب أن يمتنع عن كتابة شهادته
الإبداعية إذا طُلبت منه؟
الكتابة
هي اعتراف تم التلاعب به؛ لا يمكن أن تمر برواية دون أن تجد فيها من صاحبها
الكثير، على الأقل ما قرأه وتأثر به، انظر للقاهرة في أدب نجيب محفوظ ولثورة 1919،
وانظر للسودان عند الطيب صالح، انظر لما
يجري في إنجلترا في عشيق الليدي تشاترلي، كل كتابة –حتى الكتابة العلمية– تحمل من
ظروف كتابتها وسياقاتها الكثير، وانظر للفرق بين افتتاحية ابن خلدون لتاريخه، وبين
أي مؤرخٍ غربي.
مسألة
اعتراض الكاتب أو اعتذاره حقه بشكل مطلق، لكنني أعتقد أن كل كاتب يتحدث عن تجربته
بأشكال مختلفة، منها الكتابة المباشرة أو التصريحات الصحفية، أو الردود على القراء
وأسئلتهم.. صدقني لا أحد ينجو من الاعتراف.. لا أحد ينجو من الضوء.
تضمن كتابك "أدب المصريين| شهادات
ورؤى" شهادات لستة وستين كاتباً. هل يمكن اعتبارها كلها شهادات إبداعية؟
هي
الشهادة الإبداعية عينها؛ فقد كتب كل مبدع شهادة قصيرة تحدث فيها عن كتابته، مال
بعضهم للحديث عن أزمة الفن، وبعض عن جدوى الكتابة، وبعض عن أسبابها، وبعض عن
حتميتها، وبعض عن طريقته.
نشر في صحيفة القدس العربي 3-2-2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق