الثلاثاء، 6 فبراير 2018

قبر مفتوح ... قصة قصيرة





استيقظ من رقاده الطويل، وجد القبر مفتوحاً، استغرب الأمر، أخرج رأسه يتفحص المكان؛ خوفاً من خطر يترصده، أو مكيدة تدبر له، لم يلحظ ما يريب. خرج، ستر عريه بملابس رثة وجدها في حاوية قرب مدخل المقبرة.
دخل المدينة وجلاً، لم يلفت انتباه أحد، ووجد مثله العشرات لا يختلفون عنه بشيء. تجول في المدينة طويلاً، متعطشاً لرؤية أهلها وشوارعها وعماراتها وأسواقها وحدائقها ومركباتها و.... شعر بالغربة والخوف وعدم الألفة. أحسَّ بالجوع بعد أن داهمته روائح المطاعم، لا يستطيع أن يشتري شيئاً وهو لا يملك نقوداً. بحث في الحاويات كما رأى بعض الأطفال يفعلون، فوجد بقايا طعام أسكت جوعه مؤقتاً، وشرب من ماء سبيل، ثم جلس في ظل شجرة على الرصيف.
اقترب منه شخص لا يختلف عنه كثيراً في هيئته وملابسه. طلب منه آمراً أن يغادر المكان، فهذا الشارع منطقة عمله ونفوذه، ولن يسمح لأحد أن ينافسه.
طمأنه أنه ليس منافساً، فهو عابر سبيل، يستريح قليلاً في الظل. أصرَّ الرجل أن يغادر فوراً، أخذته العزة بالنفس فرفض، وتمدد متحدياً.
بعد دقائق، داهمت الشرطة المكان، وألقت القبض عليه بتهمة التسول وإزعاج المارة، واقتيد مكبلاً إلى المركز الأمني.
سأله الضابط عن اسمه وعمره ومكان إقامته ليملأ المحضر، فأخبره أنه لا يعرف شيئاً، فقد كان ميتاً وعاد إلى الحياة اليوم.
غضب الضابط، ووقف يهم بصفعه، ثم تمالك نفسه، وقال بعصبية: لا ينقصنا مجانين... أجب وإلا أشبعتك ضرباً.
أكد أنه خرج من قبره، لا يعرف أو يتذكر شيئاً.
ازداد غضب الضابط، وقال: إنك أخطر مما ظننت، كنت أظنك متسولاً، ولكن يبدو أنك إرهابي، ذئب منفرد، تخطط لعمل خطير يهدد أمن البلد.
انتفض بشدة وقال: صدقني يا سيدي، أنا لست شيئاً، دعني، وسأذهب من فوري وأعود إلى قبري، ولن ترَ وجهي بعد اليوم.
قال الضابط ساخراً: وتتذاكى أيضاً؟!  اسمع إن كنت عدت إلى الحياة بإرادتك كما تدعي، فلن تخرج منها إلا بإرادتنا. هل تفهم؟!
ثم أشار إلى شرطي قائلاً: إلق بهذا الكلب في الزنزانة حتى يعترف.
جرجروه إلى زنزانة في طابق سفلي، وجلس فيها يندب حظه، لا يدري كيف سيخرج من هذه الورطة.
ضرب رأسه بالحائط عدة مرات: اللعنة، اللعنة... ما الذي أخرجني من مستراحي إلى هذه الحياة القذرة؟ لم يتقبلوا وجودي، وألقوا بي في الحبس.
- يا إلهي، ماذا أفعل لأعود إلى قبري؟
ثم صرخ على الحارس: سأعترف... سأعترف.
اقتادوه إلى الضابط، فقال: أعترف أني كنت أخطط لتفجير الحاويات التي يأكل منها مئات المشردين، لأحرمهم من لقمة عيشهم الوحيدة. هل هذا الاعتراف يكفي لإعدامي؟!
سخر منه الضابط قائلاً: لا تسوق الهبل على المجانين.... هذه ليست جريمة كافية، أريد اعترافاً كبيراً، اعترافاً مدوياً، اعترافاً يرفع رتبتي ومكانتي.
- حسناً... اختر الجريمة التي تشاء، وأنا سأبصم عليها، بل سأبصم لك على بياض. اكتب كل ما تريد، جريمة، جريمتان، عشرة. المهم أن أصل إلى حبل المشنقة بسرعة. لقد اشتقت إلى قبري يا رجل. لقد أوحشني البعد عنه!



نشرت في موقع ضفة ثالثة/العربي الجديد بتاريخ 23-10-2017
https://goo.gl/6Xm7Cn

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق