موسى إبراهيم أبو رياش
أيها الطلبة الجامعيين قدامى وجدداً ... أبارك لكم عامكم الجديد هذا، راجياً لكم سنة دراسية موفقة، ملؤها التوفيق والنجاح والتميز في كل مناحي الحياة عامة، والدراسة الجامعية خاصة.
أيها الأعزاء ...
لتكن بدايتكم هذه السنة مختلفة نحو الأفضل، متميزة، ثرية، كلها أمل وإشراق وتفاؤل، راجعوا ما سبق من خطواتكم، وما سلف من أعمالكم، واستبعدوا أخطاءكم وتجاوزوا تقصيركم، وعززوا نجاحاتكم، واكتشفوا خفي إبداعكم وطاقاتكم، وثقوا أنكم تمتلكون طاقات وقدرات جبارة، ترفعكم إلى عنان السماء إن شئتم وعزمتم، وتوصلكم إلى تحقيق أحلامكم إن نويتم وقصدتم، وتمهد لكم سبل النجاح والتفوق والرقي إن كانت هذه مبتغاكم وغايتكم.
أيها الأعزاء ...
اعلموا أن وظيفتكم هي أن تكونوا طلاباً كما يقول الدكتور إبراهيم الخليفي، وهذه الوظيفة تتطلب منكم أن تقوموا بواجب هذه الوظيفة خير قيام، وأن لا تشغلكم عنها أية مشغلة أخرى مهما بدت لكم مهمة أو ضرورية، فالطبيب في عيادته لا يقدم على مرضاه أي أمر آخر مهما كان مهماً، والجندي في معسكره لا يمكن أن يترك واجبه مهما كانت الظروف، وأنتم يا رعاكم الله طلبة تفرغتم للعلم، وفتحت لكم الجامعات أبوابها، وبذل لكم الأهل أموالهم ومدخراتهم، فأدوا حق ما تفرغتم لأجله، وقوموا بواجبكم تجاه وطنكم وأهلكم، ولا تكونوا سبباً في إفساد الجامعات بعنادكم وتشتتكم وتيهكم.
أيها الأعزاء ...
عندما تدخلون الجامعة، فاعلموا أنكم دخلتم محراب العلم، كما يدخل المصلي المسجد، فكونوا في جامعاتكم كما يكون المصلي في مسجده، وثقوا أنكم في عبادة ما دمتم حريصين على تحصيل العلم وتعلمه والاعتكاف عليه وتطبيقه.
اخلعوا على باب الجامعة كل ما يشغلكم ويعيقكم عن العلم، فاتركوا العشيرة والانتماء السياسي والحزبي والطائفي والعرقي والجهوي والإقليمي والطبقي والجغرافي، فكلكم في الجامعة طلبة علم ورهبان في معبده، ولن تنالوا لذته ونعيمه إلا إن خلعتم كل ربقة تعيقكم، أو قيد يكبلكم، فالعلم لا يقبل له شريكاً في محرابه، ولا يتحيز إلا لمن يحرص عليه، ويعرف مسالكه، وينشد مظانه، ويخلع كل ثوب غير ثوبه، ويتخلى عن كل رابط إلا رابطه، ويقطع كل علاقة إلا علائقه، ولا نسب إلا نسبه، ولا غنى إلا به، ولا رفعة إلا بامتلاك نواصيه، ولا سؤدد إلا بزمامه.
أيها الأعزاء ...
إن المغريات كثيرة، والملهيات لا حصر لها، ولكن العاقل لا يقع في هذا الفخ، ولا يمكن أن يكون ضحية الغفلة والسذاجة، فالعلم مهمته أولاً وأخيراً، وأي التفات هنا وهناك قد يحيده عن الطريق، ويخرجه عن المسار. ولا أعني بذلك أن تغلقوا على أنفسكم أبواب غرفكم وبيوتكم، وأن تتجاهلوا ما حولكم، وأن تنقطعوا عن الدنيا وأهلها، ولكن الأولوية للدراسة والعلم، ولا بأس ببعض الراحة والترفيه بحدود ومقادير محسوبة، وخطة مرسومة.
لا تستعجلوا الدنيا وزينتها وبهرجها، فالطريق أمامكم طويل، ولا تدخلوها إلا بزاد وافر من الثقافة والدراية، وسلاح فعال من العلم والمعرفة، ولا تخشوا أن تحرموا من الدنيا، فهي تنتظركم بالأحضان، وتترصدكم منذ ولدتم، فلا تنجرفوا إليها قبل الأوان، ولا تدخلوها إلا وأنتم على أهبة الاستعداد.
لا يلهينكم تتبع الموضات وصرعاتها، والنهفات ومساخرها، والتفاهات وأنفاقها، وسفاسف الأمور ومغرياتها، وخيوط العنكبوت وفتنتها. فلا يتورط في كل ما سبق إلا أصحاب العقول التافهة، والأدمغة الفارغة، والنفوس الدنيئة، والأرواح الخبيثة، والقلوب الصدئة العفنة، الذين ينعقون مع كل ناعق، ويتبعون سبل كل فاسق، ويقلدون خطى كل مارق!
التخطيط السليم، والانتظام والحزم، والحرص على الدوام، واحترام الوقت، وتقدير المدرسين، والالتزام بالأولويات والقواعد والأنظمة من أهم عوامل النجاح والتميز، وهي من أسباب احترام الآخرين لك، وتقديرهم وإعجابهم بك، فاحرص أن تكون محترماً في كل مكان تدخله، وأن تكون محبوباً في أي مجال تلجه.
أيها الأعزاء ...
احرصوا على الحوار، وفتح قنوات الاتصال فيما بينكم وبين الآخرين، ولتكن المرونة والتفاهم سبيلكم، والتعاون وسيلتكم، والتسامح والصفح دأبكم، تجدوا لكل الأبواب مفتحة لكم لتدخلوها بالترحاب، وكل السبل ممهدة لتسيروا عليها بسلام.
وللدعاة من مختلف الاتجاهات السياسية والدينية، لا تكونوا ساذجين باتباع الطرق التقليدية، واعلموا أن أفضل سبل الدعوة لما تؤمنون به، وأكثرها تأثيراً، أن تتميزوا بالعلم والتحصيل والتفوق والخلق القويم، وحسن التواصل، وعندها يأتيكم من تريدون، ويطلبونكم ليتعرفوا سر تميزكم وتفوقكم، فتفوقكم ونجاحكم هو سر نشر دعوتكم، واعلموا أن الماء لا يصعد إلى أعلى طواعية كما يقول مالك بن نبي رحمه الله، فإذا رغبتم بأن ترووا عطش الآخرين فكونوا أعلى منهم في منازل العلم والتحصيل والتفوق الأكاديمي المقرون بالتميز الأخلاقي والسلوكي والمعرفي وسعة الثقافة والأفق. وتأكدوا أن الضعيف علمياً، والمتخلف تحصيلياً أعجز أن يقنع نفسه بما يدعو إليه، ولذا فإنه عن إقناع ودعوة غيره أعجز!
استرشدوا برأي من سبقكم، واسمعوا نصيحة من هم أكبر منكم، ولكن لا تسلموا لهم رقابكم، وترهنوا عندهم عقولكم، فلكل هوى، ولكل رأي، قد يكون متحيزاً مهما نشد العدالة والنزاهة، واعلموا أن لكل باب مفتاحاً، ولكل عقبة منفذاً، ولكل جبل مصعداً، ولكل واد مسرباً.
وأخيراً أيها الأعزاء ...
فإن الحياة الجامعية حياة متميزة واسعة تتجدد يوماً بعد يوم، فليكن غذاؤكم فيها علماً، وشرابكم معرفة وثقافة، وتنفسكم أدباً وخلقاً، وطريقكم في طرقاتها الاستقامة والنظافة والطهارة. وابتغوا في دراستكم مرضاة الله وطاعته، وتحقيق عمارة الأرض التي انتدبنا لها، وخلقنا من أجلها. احرصوا على كل لحظة فيها أن تمر دون فائدة أو منفعة، ولا تخطوا أية خطوة إلا لهدف، وليكن التواضع شيمتكم، والصدق زينة ألسنتكم، والابتسامة اللطيفة تذكرتكم إلى قلوب الآخرين مهما قست أو تحجرت.
نشرت في صحيفة الدستور - ملحق الشباب - الأربعاء29أيلول2010http://www.addustour.com/ViewTopic.aspx?ac=\Supplement1\2010\09\Supplement1_issue1083_day29_id269336.हतं
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق