موسى إبراهيم أبو رياش
كتب ناشر تنفيس وعميدها مقالة بعنوان (مقلوبة مش مقلوبة) التي نشرت في صحيفة الدستور يوم الثلاثاء 28 أيلول 2010 . وهذه المقالة أثارت عبق التاريخ ورائحة الأصالة التي افتقدناها هذه الأيام الغبراء، التي أصبحنا نأكل فيها صور الماضي وخيالاته الوهمية.
وللأسف فإن المشكلة لم تقتصر على الطعم والرائحة، وإنما تعدتها إلى المكونات المضروبة والمغشوشة، وخاصة الأرز الذي كنا نشترية أيام زمان نظيفاً وبسعر التراب، وفي أيامنا هذه هلت علينا بركات الجشع والفساد فصرنا نشاهد الأرز (المدود)، والأرز (المعفن)، والأرز (المسوس)، والأرز (المرطب)، أما الأرز (المكسر) فهو أخفهن مصيبة!!
قبل أسابيع اشتري ابني كيس أرز زنة 10 كيلو غرام من المؤسسة المدنية، وعاد به فرحاً مسروراً (غاب وجاب)، ولما كان عندنا بقايا أرز، لم نفتح الكيس إلا بعد عشرة أيام أو يزيد، وكان الكيس من النوع غير الشفاف (كيس أبيض)، ولما فتح الكيس عينك ما تشوف غير السوس ينغل في الكيس كأنه يأجوج ومأجوج من كل حدب ينسلون!
بدأت المكالمات الهاتفية تشتغل للحصول على وصفة تعالج جيش السوس العرمرم، فقيل ضعوا الملح مع الأرز يقضي على السوس ويوقف نموه المخيف. ويبدو أن الملح كان حلم السوس ومطلبه منذ الأزل، فزاد السوس وتكاثر، ولا أدري أين الخلل: هل الملح مغشوش؟ أم أن السوس تطور وتكيف مع الملح؟!
ما علينا، تذكرت وصفة من (الختياريات) بنشر الأرز المسوس في الشمس حتى ينسحب السوس أو يموت (ربما الوصفة مأخوذة كخلاصة من رواية رجال في الشمس لغسان كنفاني رحمه الله) ، وسارعنا بإجراء اللازم، وفعلاً رأينا السوس يسحب جيوشه من الأرز، وبعد ساعة حملنا صينية الأرز إلى الداخل بفرح من تخلص من جربه، ووضعناها على السجادة لإعادة الأرز إلى (قطرميزه)، وكانت المفاجأة .... كان السوس متجمعاً بكتل تحت الصينية بحثاً عن الرطوبة والظل، وما أن وضعنا الصينية على السجادة حتى سرح وانتشر على السجادة وشرَّق وغرَّب، وبدأت معركة القضاء عليه (بالشباشب)، ونجحنا بالتخلص من 50% من الأعداء، وولت البقية الفرار تحت الفراش والكنبايات وتحت ملابسنا وتحت السجادة وتحت الخزائن وربما بين رموش أعيننا!
المشكلة (مش هون)، المشكلة يا سادة كرام كيف نقنع الأولاد بأن يأكلوا المقلوبة باستخدام الأرز بعد تنظيفه من السوس بالماء والماء والماء حتى عاشر ماء. ربما تقولون: تخلص من الأرز وربنا يعوض! واسمحوا لي أن أقول لكم: بتحكوا وإنتم مرتاحين، ومش خسرانين أي شيء. والله الواحد بيعز عليه يتخلص من شيء دفع فيه الأبيض والأسود! صحيح أن تنظيف الأرز بالماء (عشرتعشر) مرة قد يكلف أكثر من ثمنه، ولكن نتحمل ذلك من أجل الانتصار على السوس، وعدم الاستسلام لوقاحته وعدوانه الغاشم! (المسألة مسألة كرامة) ثم تصوروا رحمكم الله لو أن كل بضاعة نشتريها وطلعت معيبة تخلصنا منها، فإنه يلزمنا أن نتخلص من أغلب ما نشترية!
من منكم اشترى موزاً ولم يجد قرناً على الأقل (مفعصاً)، ومن منكم اشترى ملفوفاً أو زهرة أو خساً ولم يجد المن أو الدود في الداخل، ومن منكم اشترى بطيخة ولم يجدها (مليفة) أو (مزة) أو لا تصلح للأكل، ومن .......... الخ!
الخلاصة، جمدنا طبخ الأرز حتى نجد حلاً لمعضلة اقناع الأولاد بأكله بعد التنظيف، وتم تشكيل لجنة لتدارس الوضع وإيجاد حل جذري للمشكلة، وتم عقد أكثر من عشرة اجتماعات دون التوصل إلى حلول مرضية، وتم الاتفاق على رفع الاجتماعات وتعليقها إلى ما بعد التاسع من تشرين الثاني المقبل.
وكل مقلوبة وأنتم بألف خير، وبسيطة يا أبو وطن ... لو مشاكلنا وقفت على المقلوبة لهانت، ولكن المقلوبة يا عزيزي أهون المصائب!!
نشرت في موقع تنفيس
http://www.tanfis.com/index.php?option=com_content&view=article&id=708:%D9%85%D9%82%D9%84%D9%88%D8%A8%D8%A9-%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%B3%D9%88%D8%B3&catid=79:2010-07-06-10-16-24&Itemid=135
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق