الأحد، 10 أكتوبر 2010

اجلس يا حجي!

موسى إبراهيم أبو رياش

المرايا خادعة، ولا تخبرنا الحقيقة، وإلا لم لم أنتبه إلى أنني بلغت من العمر عتياً إلا من الناس حولي؟!

صحيح أنني أنظر نفسي في المرآة مرات عديدة في اليوم، وصحيح أن الشيب غزا رأسي ولحيتي منذ زمن طويل –والصورة خير برهان- ، ولكن يبدو أن الألفة تعمينا عن الحقيقة، وتنسينا أن الأيام تمر مسرعة ونحن لا ندري!

كنت أحسب نفسي ما زلت شاباً، قادراً على كل شيء، وأن المستقبل يبتسم لي، وذات يوم استوقفتني فتاة وسألتني قائلة: عموه .... ؟ ودوت كلمة (عموه) كالصفعة إذا نبهتني على حقيقة مرّة طالما حاولت تجاهلها!

وكعادة أهل الزرقاء ومدن أردنية كثيرة، أدمنت ركوب الباصات واقفاً، لأنك إن لم تفعل ذلك إما أن تأخذ تاكسي وهذا لا يتفق مع برستيج أهل الزرقاء، أو أن تنتظر مقعداً شاغراً في باص، وهذا دونه خرط القتاد، ومنصب فئة عليا شاغر أسهل من مقعد شاغر في باص وخاصة في ساعات الذروة، وإن صممت على الحصول على مقعد شاغر فليكن، وستحظى ببغيتك بعد أربع أو خمس ساعات في أحسن الأحوال، هذا إذا كانت أمك راضية عنك، وجدتك داعيتلك في ليلة القدر!

وعودة على الركوب واقفاً، تصوروا لو ركب أحدنا حصاناً أو حماراً –أجلكم الله- واقفاً، كيف سيكون منظره؟ أما ركوب الباص واقفاً فأنت ستكون مثل كرة في مهب الريح، لا تسألوني كيف؟ اسألوا أي خبير وسيخبركم؟ لأن هذه السطور لا تتسع للشرح والتبيان والتوضيح، وإلا تحولت إلى مسلسل مكسيكي!

ومرة أخرى، عودة على الركوب واقفاً، عندما ركبت ذات يوم باصاً مكتظاً، وقفت، وتمرجحت ذات اليمين وذات الشمال، فأشفق عليَّ شاب بعد أن رأى حالتي وشيبتي، فنهض من مقعده، وناداني قائلاً: "تعال اجلس يا حجي". جلست مهزوماً، وشعرت بالعجز، وعندها فقط أدركت أن (مياتي ع النار)، وأن لا فائدة للمكابرة والإنكار، وأن الشباب ولى ولن يعود، وكل محاولاتي للتظاهر بغير ذلك، خداع وكذب وتدليس!

ذات مساء، عدت وأخي العزيز همام رباع بعد زيارة لعميدنا أبي وطن، وكان الباص كالعادة مكتظاً، وبعد حين شغر مقعد، وجلست عليه، دون أن أعزم على همام، ليس أنانية والله، ولكن لأني إن فعلت، فلن أضمن أن يقول لي: معقول، أجلس أنا وأخليك واقف؟! وفي هذه الإجابة دلالة لا تخفى على اللبيب! وسلامتكم!

نشرت على موقع تنفيس

http://www.tanfis.com/index.php?option=com_content&view=article&id=740:%D8%A7%D8%AC%D9%84%D8%B3-%D9%8A%D8%A7-%D8%AD%D8%AC%D9%8A&catid=34:2010-05-30-18-43-54&Itemid=133

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق