السبت، 16 أكتوبر 2010

مـطـر

قصة قصيرة

موسى إبراهيم أبو رياش


خطواته المتعبة تقوده للوراء، يكاد لا يستبين طريقه، تنوء أكتافه بكل أثقال الدنيا، محبط حتى النخاع، فقد كل أمل في تحسين أوضاعه، يعيش على مبلغ بائس مقابل عمل بغيض. حمد الله أنه وحيد ليس مسؤولاً عن إعالة أحد، لا زوجة ولا ولد.

التقطت أذناه صوت نهنهة طفلة تبكي بصوت خفيض، انتبهت حواسه، التفت حوله، فوقعت عيناه على طفلة صغيرة تفترش عتبة أحد المنازل، مشى نحوها بتساءل، أصابه الذهول من فرط براءتها، وجمالها الطفولي الآسر التي زادته دموعها روعة وفتنة، دموع كاللؤلؤ تزين خديها، وتضفي عليهما بريقاً آخاذاً، وتجعل من الطفلة ملاكاً اتخذ الأرض له مسكناً.

شعر بخفة، انشرح صدره، تبخرت كل أحزانه، فاض قلبه بالأمل، امتلأت جوانجه بالحنان، قرفص قبالتها يتأملها بشغف، سألها بحنان عن سبب بكائها. صمتت ولم تجب، أعاد السؤال، أجابت ببراءة وكلمات متقطعة: أأأررريييد شووكوولااتة كالأأأوولااااد ... ما معععي مصاااررري. سألها عن أمها وأبيها. أخبرته أنها يتيمة، وأن أمها ذهبت تبحث عن عمل. انهضها من يدها برفق، وترك حبات اللؤلؤ كما هي، يتأملها بفرح طاغٍ، وسعادة غامرة. قادها إلى أقرب بقالة، أخرج كل ما معه من دريهمات، واشترى لها كل ما تحب، وأرخى لها حبل الدلال، ثم أوصلها إلى بيتها وهو يحدثها بخشوع، ولولا خوفه من العيون المتلصصة، والأسئلة التي تتراكم على الشفاه، لمكث برفقتها إلى أن تعود أمها، ولكنه آثر أن ينسحب؛ ليحافظ على سعادته وكنزه الجميل، وأن لا يضيع بسبب سوء فهم، أو تأويل ظالم، أو تفسير أعمى، ثم أكمل طريقه إلى بيته، وهو يشعر بخفة وقدرة على المسير بل الطيران دون توقف.

وصل إلى بيته بسرعة، دخله بسعادة، تخفف من ملابسه وارتمى على فراشه باسترخاء، أخذ يتذكر لحظاته الجميلة مع الطفلة الباكية، وشعر لأول مرة منذ زمن طويل أن في الحياة أشياء جميلة، تستحق أن نحيا من أجلها، وأن لمسات الجمال موجودة بالرغم من سيطرة مساحات السواد وغلبتها!

أصبح ينطلق إلى عمله بهمة ونشاط، بذل جهداً مضاعفاً، أتقن عمله، لاحظ رئيسه مدى جديته وتغيره، رفع أجره ونقله إلى عمل أفضل، تحسنت أحواله، شعر بمذاق طيب، وثق صلاته ببعض زملاء العمل، وتبادل معهم الزيارات، وخرج مع بعضهم في سهرات خفيفة، ورحلات قصيرة. تبدلت أحواله، تفتحت في قلبه مسامات جديدة، شعر بقلبه يخفق، أخذ يمشي بثقة، يأكل بتلذذ، ينام بمتعة، يحلم كالأطفال.

أخذ يحلم أن تكون له حياة مختلفة، يفكر بالزواج، يفتح بيتاً أرحب وأوسع، اشتاق للأطفال، شعر بلهفة لأبوة تلوح في الأفق، صار يخطط لمستقبله، يقلب أفكاره ومخططاته ومشاريعه، يستبعد هذا ويعيد التفكير في ذاك، حتى استقرت في ذهنه ومخيلته صورة جميلة لما يريد، عاش معها وبها ليالي طويلة، يشعر بالسعادة كلما استحضرها، كأنه ملك الدنيا بأسرها، حتى يتخيل أحياناً أنه يعيش واقعاً لا حلماً وأماني ما زالت معلقة في رحم الغيب.

استلم منصباً يحسده عليه كثيرون، وتحسنت أحواله المادية، وأصبحت أحلامه قاب قوسين أو أدنى من أن تترجم على أرض الواقع، فكل الظروف مهيأة، ومعظم العقبات إلى زوال.

في طريق عودته بعد يوم عمل، وكان ذلك في أواخر شهر أيلول، أمطرت السماء فجأة، في استهلال موسم مطري جديد، بزغ الأطفال من كل ناحية، وخرجوا من كل بيت، وتجمعوا كرف حمام يغنون فرحين بحبات المطر:

شتي وزيدي بيتنا حديدي

عمنا عبد الله

رزقنا على الله

أخذوا يركضون في الشارع يستمتعون بمعانقة المطر لأجسادهم البريئة، وبعضهم فتح فاه لتسقط بها حبات المطر البكر، وفاح من تراب الأرض شذى عناقها الولهان مع حبات المطر، وتشربت الأرواح سيمفونية لقاء العاشق بالمعشوق، وحلَّ في الأرض سلام، وخرجت من الصدور تنهدات الراحة والأمل، وتعالت أصوات الخلق: "الحمد لله".

شعر بروحه تطير في الأعالي، وقلبه يتفتح تعطشاً للمطر كما الأطفال، وأحس أنه بحاجة أن يغسل أدران جسده بهذا المطر الطاهر الذي يتنزل من السماء بروعة وسلاسة ورفق. خلع جاكيته وربطة عنقه، وخلع حذاءه، واختلط بالأطفال يغني كما يغنون، ويركض كما يركضون، ولم يعبأ بالعيون الساخرة التي استنكرت فعلته متمتمة نابزة لامزة، أدرك أنها جبانة، متمترسة خلف وقارها الكاذب، فهي أعجز أن تحذو حذوه، وتعود إلى براءتها وطهرها وإن للحظات معدودة، وتصر أن تبقى حبيسة زيفها ومظهرها المخادع!!

نشرت في الدستور الثقافي بتاريخ 15-10-2010

http://www.addustour.com/ViewTopic.aspx?ac=\Supplement2\2010\10\Supplement2_issue1099_day15_id273514.htm


الأحد، 10 أكتوبر 2010

اجلس يا حجي!

موسى إبراهيم أبو رياش

المرايا خادعة، ولا تخبرنا الحقيقة، وإلا لم لم أنتبه إلى أنني بلغت من العمر عتياً إلا من الناس حولي؟!

صحيح أنني أنظر نفسي في المرآة مرات عديدة في اليوم، وصحيح أن الشيب غزا رأسي ولحيتي منذ زمن طويل –والصورة خير برهان- ، ولكن يبدو أن الألفة تعمينا عن الحقيقة، وتنسينا أن الأيام تمر مسرعة ونحن لا ندري!

كنت أحسب نفسي ما زلت شاباً، قادراً على كل شيء، وأن المستقبل يبتسم لي، وذات يوم استوقفتني فتاة وسألتني قائلة: عموه .... ؟ ودوت كلمة (عموه) كالصفعة إذا نبهتني على حقيقة مرّة طالما حاولت تجاهلها!

وكعادة أهل الزرقاء ومدن أردنية كثيرة، أدمنت ركوب الباصات واقفاً، لأنك إن لم تفعل ذلك إما أن تأخذ تاكسي وهذا لا يتفق مع برستيج أهل الزرقاء، أو أن تنتظر مقعداً شاغراً في باص، وهذا دونه خرط القتاد، ومنصب فئة عليا شاغر أسهل من مقعد شاغر في باص وخاصة في ساعات الذروة، وإن صممت على الحصول على مقعد شاغر فليكن، وستحظى ببغيتك بعد أربع أو خمس ساعات في أحسن الأحوال، هذا إذا كانت أمك راضية عنك، وجدتك داعيتلك في ليلة القدر!

وعودة على الركوب واقفاً، تصوروا لو ركب أحدنا حصاناً أو حماراً –أجلكم الله- واقفاً، كيف سيكون منظره؟ أما ركوب الباص واقفاً فأنت ستكون مثل كرة في مهب الريح، لا تسألوني كيف؟ اسألوا أي خبير وسيخبركم؟ لأن هذه السطور لا تتسع للشرح والتبيان والتوضيح، وإلا تحولت إلى مسلسل مكسيكي!

ومرة أخرى، عودة على الركوب واقفاً، عندما ركبت ذات يوم باصاً مكتظاً، وقفت، وتمرجحت ذات اليمين وذات الشمال، فأشفق عليَّ شاب بعد أن رأى حالتي وشيبتي، فنهض من مقعده، وناداني قائلاً: "تعال اجلس يا حجي". جلست مهزوماً، وشعرت بالعجز، وعندها فقط أدركت أن (مياتي ع النار)، وأن لا فائدة للمكابرة والإنكار، وأن الشباب ولى ولن يعود، وكل محاولاتي للتظاهر بغير ذلك، خداع وكذب وتدليس!

ذات مساء، عدت وأخي العزيز همام رباع بعد زيارة لعميدنا أبي وطن، وكان الباص كالعادة مكتظاً، وبعد حين شغر مقعد، وجلست عليه، دون أن أعزم على همام، ليس أنانية والله، ولكن لأني إن فعلت، فلن أضمن أن يقول لي: معقول، أجلس أنا وأخليك واقف؟! وفي هذه الإجابة دلالة لا تخفى على اللبيب! وسلامتكم!

نشرت على موقع تنفيس

http://www.tanfis.com/index.php?option=com_content&view=article&id=740:%D8%A7%D8%AC%D9%84%D8%B3-%D9%8A%D8%A7-%D8%AD%D8%AC%D9%8A&catid=34:2010-05-30-18-43-54&Itemid=133

نقص المعلمين وغياب الرؤية

موسى إبراهيم أبو رياش

إنَّ الخطوة الأهم في الشفاء هي الاعتراف بالداء، و"من لا يعترف بمرضه ليس عليه أن يطمع بالشفاء من مرضه." (إبراهيم الكوني)

تعاني المدارس الحكومية نقصاً كبيراً في المعلمين بداية كل عام دراسي، وتتكرر هذه المشكلة سنوياً كنسخة أكثر رداءة عن سابقتها، دون أدنى أمل بإيجاد حل جذري للمشكلة، أو حتى التخفيف منها. وتبلغ المأساة ذروتها عندما ينقضي أكثر من شهر على بداية العام الدراسي، وما زالت المشكلة تضرب المدارس بعنف وقسوة لا سابقة لها، وكأني بالوزارة ووزيرها وأمنائها العامين الثلاث وإداراتها الثلاث عشرة التي لا نظير لها عالمياً، ومديرياتها الميدانية التي تبلغ 42 مديرية تقف عاجزة مكتوفة الأيدي إزاء كل ما يحدث!

الطبطبة لا تنفع، وإعطاء المسكنات تلو المسكنات ليست حلاً، بل تزيد الطين بلة، والعلّة تجذراً، واللجوء إلى حلول جزئية لا يجدي فتيلاً، وترحيل المشكلة إلى أعوام قادمة هروب وتخلٍ عن المسؤولية واعتراف بالعجز!

ماذا كانت تعمل وزارة التربية طوال الصيف؟ وكان الأولى بها أن تنتهي من جميع التعيينات وسد النقص قبل بداية العام الدراسي، فلا حجة مقنعة، ولا تبرير معقول، ولا عذر مقبول، اللهم إلا ضبابية الرؤية إن لم يكن غيابها، والتخبط في التخطيط، والغياب التام عن الواقع الميداني، وانتظار الحل من السماء! وإلا كيف نفسر تعيين 1200 معلمة بعد مرور شهر على بداية العام الدراسي، وعلى الأبواب دفعة مماثلة من المعلمين إن لم يكن أكثر، بالإضافة إلى وجود أكثر من 2000 معلم على حساب التعليم الإضافي.

إنَّ المشكلة ليست في عدم وجود خريجين وكفاءات أردنية، ولكن المشكلة في رفض هؤلاء الخريجون العمل في مدارس الحكومة التي تشكل بعبعاً لا يرغب أحد بالاقتراب منه، لفقرها واكتظاظها، وعدم توفر أدنى الشروط التربوية المعقولة، بالإضافة إلى الأنظمة التربوية المجحفة بحق المعلم، وعدم وجود ضمانة لحمايته، ناهيك عن تدني الرواتب وهزالها.

قبل سنوات استبعدت فكرة الاستعانة بالخبرات المصرية، بسبب الكلفة المرتفعة لاستقدام المعلمين المصريين، وما زالت الحكومات الأردنية تتجاهل الجانب المادي لاستقطاب المعلم الأردني، وكأني بها تريد معلمين سخرة يرضون بالفتات، ثم تطلب منهم نتائج باهرة، ومخرجات تقارع بها سنغافورة واليابان؟!

حل مشكلة نقص المعلمين يتطلب إعلان حالة الطوارئ في وزارة التربية والتعليم، والبحث عن حلول إبداعية بعيداً عن المألوف والمعروف، وتجاوز الكلاسيكية في التعامل مع هذه المشكلة، والتفكير بصوت مرتفع، والاستعداد التام لكسر الحواجز والقيود، وتعديل التعليمات والأنظمة الجامدة، والقضاء على كل أشكال الفساد والترهل الإداري، والتضحية بالقيادات النمطية التي تجاوزها الزمن، وغدت من مخلفات المتاحف!

عندما تكون الغاية سامية، والأهداف نبيلة، والمرجو كبير، فإنه لا معنى للتردد في الإنفاق والبذل والعطاء، لأن المردود سيكون إذ ذاك كبيراً جداً، وحساب الإنفاق على التربية بمبدأ الربح والخسارة آنياً، يدل على تخلف وقصر نظر، فالتربية لا تؤتي أكلها إلا بعد عقد من الزمان على الأقل، وعندها سيكون الربح أضعافاً مضاعفة!

إن الحلول المناسبة لمشكلة نقص المعلمين لا تخفى على أصحاب القرار، فتراكم الخبرات البشرية محلياً وعالمياً، يجعل من الحلول سلعة متداولة لمن أراد، ولكن المشكلة تكمن في عدم وجود إرادة حازمة لحل المشكلة جذرياً، والتلهي ببعض المسكنات والمنشطات والهرمونات على سبيل التمويه وذر الرماد في العيون!

وقد أكدت دراسة أن نسبة الإداريين إلى المعلمين في الأردن مرتفعة جداً، وهي أعلى من مثيلاتها في معظم دول العالم. ولذا فإنَّ إعادة هيكلة المديريات في الوزارة والميدان، والتخفيف من الحمولة الزائدة، بالإضافة إلى التأكد من التشكيلات المدرسية على أرض الواقع، من شأنه أن يخفف من نقص المعلمين بنسبة لا بأس بها؛ إذ لا معنى لموظفين ينتقلون للمديريات لترضية فلان وعلان دون عمل يذكر، وبقاء بعض المعلمين دون عمل اللهم إلا حاشية وبطانة سوء لبعض مديري المدارس، في حين يشقى غيرهم ويتحمل نصابهم ومصائبهم!

إنَّ مشكلة نقص المعلمين تهدد النظام التربوي الأردني برمته، وتجعل من أية عملية تربوية غير ذات جدوى بسبب آثارها التدميرية والتخريبية، وأنها تهدد الاستقرار المدرسي، وتخلخل العملية التربوية، وتشتت جهود المعلمين العاملين، وتبلبل أذهان وقلوب الطلبة، وتربك الإدارات المدرسية وتعرقل خططها. وكل ذلك يؤدي إلى كارثة تربوية محققة بدأنا نلمس آثارها في المخرجات الهزيلة، وتطاول الطلبة وذويهم على المعلمين، وتراجع دافعية المعلم، وغير ذلك مما لا يخفى على أحد.

المشكلة خطيرة، ولا تحتمل مزيداً من التأجيل والترحيل، وآن الأوان لجراحة عاجلة وحلول ثورية، لأنها تؤرق كل مسؤول مخلص، وتؤثر على كل بيت أردني، وتدمي قلب كل مواطن غيور. والأمل أن يتنادى أصحاب الضمائر المخلصة في وزارة التربية وغيرها للبحث عن سبل للخلاص، وطرق ناجعة للعلاج، وهؤلاء موجودون وقادرون إن منحوا الصلاحيات، وأعطوا الضوء الأخضر، وتوفر لهم الدعم والمساندة!

نشرت على جراسا

http://www.gerasanews.com/web/?c=122&a=35057

زاد الأردن

http://www.jordanzad.com/jor/index.php?option=com_content&task=view2&id=24750

نيرون

http://www.niroonnews.com/arabnews/5081-2010-10-09-16-39-36.html

البلقا نيوز

http://www.albalqanews.net/NewsDetails.aspx?Lng=2&PageID=5&NewsID=11979

وطن نيوز

http://www.watnnews.net/NewsDetails.aspx?PageID=21&NewsID=15871


صور مهشمة

موسى إبراهيم أبو رياش

مشروع معركة

جلست العائلة تتناول طعام الغذاء، أشار الزوج إلى أن الدجاج غير ناضج كفاية، فاعترضت الزوجة أنه مكث على النار أكثر من المعتاد، وهو برأيها رائع جداً. اختلفا وكل يدافع عن رأيه، أسمعها كلمة قاسية، فردت بالمثل، تكهرب الجو، وتبادلا الشتائم، التي ما لبثت أن تحولت إلى تضارب بالأيدي. غضبت الزوجة واتصلت بأهلها، فحضر إخوتها متحفزين، فأسمعوا الزوج كلمات نابية، فاتصل بإخوته، فحضروا مسرعين، وتبادل الطرفان التهديد والوعيد الذي تطور إلى عراك، واستدعى كل فريق إمدادات أخرى، فتحول المكان إلى ساحة معركة التي سرعان ما امتدت إلى الشارع حتى شملت الحي كله !!

كشف الطابق

ذات اجتماع، خالف سيده على غير العادة، فسأله مستنكراً: أتجرؤ أن تخالفني؟

أجابه بتحد واضح: ولم لا أفعل، فأنا أدافع عن قناعاتي حتى النهاية!

- أتخالف صاحب الفضل عليك؟

- جئت بأصوات الناخبين!

- وهل تصدق هذه المهزلة التي صنعناها لأجلك؟

- مهزلة أم غير مهزلة، هذا لا يهم، فالنتيجة النهائية كانت لصالحي.

تبادل الحضور النظرات مستغربين فقد عقدت المفاجأة ألسنتهم، فقد كانت الحقيقة التي كُشفت فاضحة، نعم ... كانت قبل ذلك مجرد تكهنات وتخرصات، أما الآن فقد تأكد ما يتناقله الناس سراً وفي جلساتهم الخاصة. حذر رئيس الجلسة أن يبقى الخلاف وتفاصيل الحوار حبيس جدران القاعة. وفعلاً لم تمضٍ بضع ساعات حتى كان الخبر يملأ المدينة، بل وتناقلته بعض المواقع الإخبارية الإلكترونية !!

مستحيل

كلما تقدموا بطلب إلى رئيسهم لشراء جهاز أو أدوات أو مستلزمات، يقول لهم: "مستحيل"! وكانوا يأخذون كلامه على محمل الجد، وأنه يقول ذلك لأنه الأدرى بمصلحة العمل وميزانية المؤسسة. ولكن كان هذا رده الوحيد على كل ما يطلبون، فضاق به الموظفون ذرعاً، وقرر بعضهم أن يواجهه ويتصدى له، ولما قدموا له طلباً جديداً لشراء جهاز معين، قال لهم: "مستحيل"! فصرخ به موظف جهم طويل القامة: ما هو المستحيل، الذي يقف في طريقنا على الدوام؟ أجاب الرئيس برعب: المستحيل هو أن لا أستجيب لما تطلبون !!

نشرت في صحيفة السبيل 5-10-2010

http://www.assabeel.net/assabeel-essayists/26677-%D8%B5%D9%88%D8%B1-%D9%85%D9%87%D8%B4%D9%85%D8%A9-%D9%82%D8%B5%D8%B5-%D9%82%D8%B5%D9%8A%D8%B1%D8%A9-%D8%AC%D8%AF%D8%A7%D9%8B.html

الجمعة، 8 أكتوبر 2010

إلى المعلمين في عيدهم

موسى إبراهيم أبو رياش

في يومك في الخامس من تشرين الأول تنحني لك الهاماتُ تحية إجلالٍ وإكبارٍ يا معلمنا الأبجدية ... يا حامل مِشعل النور والهداية ... أيها البحار في ليل الظلمات والجهل ... أيها الغواص في بحر الأشواك والخذلان والجحود!!

إنَّ طريق الألف ميل تبدأ بخطوة. ووِقفة عزٍّ وكبرياء من ثلة من المعلمين استردت لك حقوقاً طالما أنكرها الدهاة، مستغلين طيبتك، وإنكارك ذاتك، وأنَّك صاحب رسالة، لا صاحب دنيا ومنفعة وأجندات. سلبوك قاصدين، وحاربوك عامدين، وأنكروك رمداً بأعينهم. فلما رفعت الصوت خنسوا، وتواروا خلف الأستار، وحاولوا الكيد لك والبطش بك. فما كان الله لينصرهم على صاحب الرسالة، فحجزتَ لك مقعداً مع علية القوم، وأثبت حضوراً طالماً طمسوه!

مسيرة الكفاح في أولها، وما زال المعلم مظلوماً، بل إنَّ الظُلم يزداد، والكيد يأخذ مسارب أخرى، وطرقاً أخبثُ من ذي قبل، لأنَّ خفافيش الظلام تستكثر عليك أن تأخذ حقاً هو لك منذ الأزل، لأنَّ وجودها رهن بظلمك، وعلوها مشروط بخفضك، وترفها نظير فقرك وسحقك!

إنَّ غبار الطباشير الذي يلوث يديك وملابسك، هو وسام معركة النور التي تقودها ضد جيوش الظلام والإظلام. وإنَّ آثار الأقلام على يديك وشم يؤكد أنَّك ما تراجعت ولا نكصت. وملابسك المجعلكة، وشعرك الأشعث في نهاية يومك دليل أنّك أديت الأمانة، وما تكاسلت أو ركنت إلى الدعة، في حين يخرج أقوام كما يدخلون، بل يغدون خماصاً ويروحون بطاناً!

قد لا تكون المطالب المادية هي هاجس المعلمين الأول، ولا كل همهم، فإنَّهم يدركون أنَّ حُسن المعاملة، والتقدير، واحترام إنسانية المعلم، خيرٌ من كل أموال الدنيا. وعندما يجتمع حرمان وحرمان، فإنَّ الحمل يكون ثقيلاً، والمصيبة عظمى، والطامة كبرى!!

ما زالت أنصبة المعلمين لا تراعي أي أسس تربوية أو علمية أو حضارية؛ فكل المباحث سواء، وكل المراحل سواء، وكل الظروف سواء. وأعباء المعلم تزداد يوماً بعد يوم، والممنوعات والمحظورات تلتف حول عنقه تكبله وتقيد يده، والتعليمات والأنظمة تقعده كسيحاً بلا حول ولا قوة، يلقونه مغلولاً في اليم، ويحذرونه من البلل!

نَصَّبوا عليه مسؤولين، منهم من لا يعرفون كوعاً من بوع، فيهرفون بما لا يعرفون، ويتعرقلون بأرجلهم في رابعة النهار. يحسبون أنَّهم يفهمون وهم أبعد الناس وأجهل الناس، يستحقون الشفقة، ويستدرون الدمعة، ومع ذلك يكابرون ويعاندون ويتبجحون. تسلطوا عليك سدَّاً لنقائصهم، واستأسدوا عليك وهم أجبنُ من نعامة، وأضعفُ من بعوضة!!

إنَّ من أبسط حقوقك أن تُحترم وتُقدر في مدرستك ومديريتك ووزارتك، ولكنهم أمعنوا في ظلمهم، فعاملوك كالأغراب، وما كانوا لولاك، ولا وجود لهم إلا بك. يرفعون أصواتهم في حضرتك، ولو أنصفوا لخشعوا. وجلسوا وتركوك واقفاً، ولو كان عندهم بعض حياء لأجلسوك ووقفوا في حضرتك. يأمروك ولو اتبعوا الحق لأتمروا بأمرك، وما خرجوا عن طوعك!!

وإنَّي لأستنكر علي أي مسؤول تربوي مهما كان منصبه؛ ابتداءً بأقلّ موظف وإنتهاءً بوزير التربية والتعليم أنْ يهنأ بمكتب، أو أنْ يجلس على مقعد، أو ينعم بمكيف أو مروحة صيفاً، ومدفأة أو تدفئة شتاءً، وهناك معلم في أي مدرسة مهما شَطَّتْ أو نَأتْ لا يجد مقعداً يجلس عليه في استراحته، ولا يجد مكتباً يركن إليه أوراقه وكتبه ودفاتر تلاميذه، يَسُحُ عرقه صيفاً، ويتجمد وجهه شتاءً. فإنَّ عظمة المسؤول تتبدى في هكذا مواقف، وتتجلى نفاسة المعادن في مثل هذه الظروف!

وإذا كان الحديث ذو شجون، والألم يذكر بالألم، فإنَّ همَّ المواصلات يُثقل كاهل المعلمين، ويؤرق كاهلهم، وينكد عليهم عيشهم، خاصة وأنَّ بعضهم يتنقل يومياً ما لا يقل عن مئة كيلو متر داخل اللواء نفسه، وغيره لا تبعد مدرسته أو مكان عمله سوى أمتار معدودة. ومما يزيدهم رهقاً أنَّ من يأخذون بدل مواصلات لا يغادرون مكاتبهم، وإنْ فعلوا وتواضعوا فبسيارات الحكومة، أما المعلم فينتظر المواصلة تلو المواصلة، وقد تمرُّ به سيارات التربية ولا تُلقي له بالاً. أغلب موظفي الدولة يأخذون بدل مواصلات أو تقلهم سيارات حكومية، أما المعلمون فلا يأبه بهم أحد، ولا يحسب حسابهم أحد، بل إنَّ البعض يحملهم عبء عجز الميزانية لاسترجاعهم حقوقاً لم تكن في حسبان هؤلاء يوماً!

الحقوق ستبقى منقوصة مهما بُذلت من جهود، وقُدمت من تضحيات، لأنَّ العدالة لا توجد إلا عند رب العالمين، وهؤلاء الذين نَصَّبوا من أنفسهم أوصياء على المعلمين لا يضيرهم إلا أن يتنزع المعلمون حقوقهم، ولذا ستبقى العجلة تدور، والعصي تدس بين الدواليب، فلا تبتئس ولا تقنط من رحمة الله، واقطع أملك منهم، وصل حبلك بحبل الله، ولا تركن إلى أحد منهم، ولا تثق بأحد فيهم، فإنَّهم أقلّ شأناً مما تظن، وأضعف أن يكون في يدهم حول أو طول، لأنَّهم سراب وإنْ تَبَدَّى وتَجَسَّد، وَهُم وَهْمٌ وإنْ تحرك، وهم خُرافة وإنْ حدثوك ووعدوك!

ولا يحزنك تجاهل وزارتك ليومك والإحتفاء بك، فما تعودتَ منهم غير الجحود، وما نِلتَ سوى الوعود. فلا تأملنَّ أن تتغير بين ليلة أو ضحاها، وتأخذك بالأحضان بعد جفاها. فكن أنت أنت، فأنت الأعلى شأناً، والأعزُّ مكانة، والأغنى بقناعتك رغم فقرك، والأقوى بعلمك وإخلاصك، والأجدر بكل إجلال وإكبار!

نشرت في السوسنة
http://www.assawsana.com/portal/Articlesshow.aspx?id=6160

في زاد الأردن
http://www.jordanzad.com/jor/index.php?option=com_content&task=view2&id=24367

في نيرون
http://www.niroonnews.com/arabnews/5023-2010-10-03-20-30-49.html

في أخبار البلد
http://www.albaladnews.net/NewsDetails.aspx?ID=23487

في المرصد العمالي
http://www.labor-watch.net/index.php?option=com_content&view=article&id=2781:2010-10-04-07-06-49&catid=54:opinions&Itemid=14